فصل: المسألة الثانية: (الخطاب في قوله: {أَولاَ تَرَوْنَ}):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{وَأَمَّا الذين في قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} أي نفاق {فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إلى رِجْسِهِمْ} أي نفاقًا مضمومًا إلى نفاقهم فالزيادة متضمنة معنى الضم ولذا عديت بإلى، وقيل: إلى بمعنى مع ولا حاجة إليه {وَمَاتُواْ وَهُمْ كافرون} واستحكم ذلك فيهم إلى أن يموتوا عليه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوبل قوله: {وهم يستبشرون} في جانب المؤمنين بقوله: {وماتوا وهم كافرون} في جانب المنافقين تحسينًا بالازدواج، بحيث كانت للسورة فائدتان للمؤمنين ومصيبتان على المنافقين، فجُعل موتهم على الكفر المتسبب على زيادة السورة في كفرهم بمنزلة مصيبة أخرى غير الأولى وإن كانت في الحقيقة زيادة في المصيبة الأولى.
هذا وجه نظم الآية على هذا النسج من البلاغة والبديع، وقد أغفل فيما رأيت من التفاسير، فمنها ما سكت عن بيانه.
ومنها ما نُشرت فيه معاني المفردات وترك جانب نظم الكلام.
والاستبشار: أثر البشرى في النفس، فالسين والتاء للتأكيد مثل استعجم، وتقدم في قوله تعالى: {يستبشرون بنعمة من الله} في آل عمران (171)، وتقدم آنفًا في قوله: {فاستبشروا ببيعكم} [التوبة: 111].
والمراد بزيادة الإيمان وبزيادة الرجس الرسوخ والتمكن من النفس.
والرجس: هنا الكفر.
وأصله الشيء الخبيث.
كما تقدم عند قوله تعالى: {رجس من عمل الشيطان} في سورة العقود (90).
وقوله: {كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون} في سورة الأنعام (125).
والمرض في القلوب تقدم في قوله تعالى: {في قلوبهم مرض} في سورة البقرة (10).
وتعدية {زادتهم} بـ {إلى} لأن زاد قد ضمن معنى الضم.
ومعنى قوله: {فأما الذين آمنوا} إلخ مثل معنى قوله تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارًا} [الإسراء: 82]. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125)}
والرجس: هو الشيء المستقذر، وتكون القذارة حسية، ومرة تكون معنوية. فالميتة مثلًا قذارتها حسية؛ لأنها ماتت ودمها فيها، والدم- كما نعلم- له مجريان؛ مجرى للدم قبل أن يكرر، ومجرى آخر للدم بعد أن يكرر، والدم قبل أن يكرر يمر على الرئة والكلى فتنفيه الرئة والكلى من الأشياء الضارة التي تصل إليه نتيجة تفاعلات أعضاء الجسم المختلفة. وبعد أن تتم تنقية عن طريق الرئتين والكلى يصير دمًا صالحًا.
فإذا مات الحيوان بقي فيه دمه الصالح ودمه الفاسد؛ لذلك نحن نذبح الحيوان قبل أن نأكله، ونضحي بدمه الصالح مع الفاسد؛ حتى لا يصيبنا الدم الفاسد بالأمراض؛ ولذلك تعتبر الميتة رجسًا. والخمر أيضًا نجاسة حسية ورجس. وهناك رجس معنوي، ولذلك قال الحق: {إِنَّمَا الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشيطان فاجتنبوه...} [المائدة: 90].
إذن: فهناك رجس حسي، ورجس معنوي، ويطلق الرجس على الكفر أيضًا، ومرة يطلق الرجس على همسات الشيطان ووسوسته.
وفي ذلك يقول الحق: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النعاس أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السماء مَاءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشيطان...} [الأنفال: 11].
وهنا يقول الحق: {وَأَمَّا الذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إلى رِجْسِهِمْ} ولأنهم يكفرون بالله وبآياته؛ فهذا يزيدهم رجسًا على رجسهم ويصبح كفرهم مركَّبًا، وهكذا نجد البشارة للمؤمنين، أما الكافرون فلهم النذارة؛ لأن كفرهم يزيد، ويموتون على ذلك الكفر. اهـ.

.قال أبو حيان في الآيتين:

{وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانًا}
قال ابن عباس: نزلت هذه والثانية في المنافقين، كانوا إذا نزلت سورة فيها عيب المنافقين خطبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرض بهم في خطبته، فينظر بعضهم إلى بعض يريدون الهرب ويقولون: هل يراكم من أحد إن قمتم؟ فإن لم يرهم أحد خرجوا من المسجد.
ولما استطرد من سفر الغزو وتأنيب المتخلفين عن الرسول إلى سفر التفقه في الدين، ثم أمر بقتال من يلي من الكفار والغلظة عليهم، عاد إلى ذكر مخازي المنافقين إذ هم الذين نزل معظم السورة فيهم.
وكان في الآية قبلها إشارة إلى الغلظة على الكفار وهم منهم، وقولهم: أيكم زادته هذه إيمانًا، يحتمل أن يكون خطاب بعض المنافقين لبعض على سبيل الإنكار والاستهزاء بالمؤمنين، ويحتمل أن يقولوا: ذلك لقراباتهم المؤمنين يستقيمون إليهم ويطمعون في ردهم إلى النفاق.
ومعنى قولهم ذلك: هو على سبيل التحقير للسورة والاستخفاف بها، كما تقول: أي غريب في هذا وأي دليل في هذا، وفي الفتيان قيل: هو قول المؤمنين للبحث والتنبيه.
وقرأ الجمهور: رأيكم بالرفع.
وقرأ زيد بن علي وعبيد بن عمير: أيكم بالنصب على الاشتغال، والنصب فيه عند الأخفش أفصح كهو بعد أداة الاستفهام نحو: أزيدًا ضربته.
والتقسيم يقتضي أنّ الخطاب من أولئك المنافقين المستهزئين عام للمنافقين والمؤمنين، وزيادة الإيمان عبارة عن حدوث تصديق خاص لم يكن قبل نزول السورة من قصص وتجديد حكم من الله تعالى، أو عبارة عن تنبيه على دليل تضمنته السورة ويكون قد حصلت له معرفة الله بأدلة، فنبهته هذه السورة على دليل راد في أدلته، أو عبارة عن إزالة شك يسير، أو شبهة عارضة غير مستحكمة، فيزول ذلك الشك وترتفع الشبهة بتلك السورة.
وأما على قول من يسمي الطاعة إيمانًا، وذلك مجاز عند أهل السنة، فتترتب الزيادة بالسورة إذ يتضمن أحكامًا.
وقال الربيع: فزادتهم إيمانًا أي خشية أطلق اسم الشيء على بعض ثمراته.
وقال الزمخشري: فزادتهم إيمانًا لأنها أزيد للمتقين على الثبات، وأثلج للصدور.
أو فزادتهم عملًا، فإن زيادة العمل زيادة في الإيمان، لأن الإيمان يقع على الاعتقاد والعمل انتهى.
وهي نزعة اعتزالية، وهم يستبشرون بما تضمنته من رحمة الله ورضوانه.
وأما الذين في قلوبهم مرض هم المنافقون، والصحة والمرض في الأجسام، فنقل إلى الاعتقاد مجازًا والرجس القذر، والرجس العذاب، وزيادته عبارة عن تعمقهم في الكفر وخبطهم في الضلال.
وإذا كفروا بسورة.
فقد زاد كفرهم واستحكم وتزايد عقابهم.
قال قطرب والزجاج: أراد كفرًا إلى كفرهم.
وقال مقاتل: إثمًا إلى إثمهم.
وقال السدي والكلبي: شكًا إلى شكهم.
وقال ابن عباس: أراد ما أعد لهم من الخزي والعذاب المتجدد عليهم في كل وقت في الدنيا والآخرة، وأنتج نزول السورة للمؤمنين شيئين: زيادة الإيمان، والاستبشار بما لهم عند الله.
وللذين في قلوبهم مرض زيادة رجس، والموافاة على الكفر أذاهم كفرهم الأصلي، والزيادة إلى أنْ ماتوا على الكفر. اهـ.

.تفسير الآية رقم (126):

قوله تعالى: {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان التقدير تسبيبًا عما جزم به من الحكم بعراقتهم في الرجس وازديادهم منه: أفلا يرون إلى تماديهم في النفاق وثباتهم عليه؟ عطف عليه تقريرهم بعذاب الدنيا والإنكار عليهم في قوله: {أولا يرون} أي المنافقون، قال الرماني: والرؤية هنا قلبية لأن رؤية العين لا تدخل على الجملة لأن الشيء لا يرى من وجوه مختلفة {أنهم} أي المنافقين؛ ولما كان مطلق وقوع الفتنة من العذاب، بنى للمفعول قوله: {يفتنون} أي يخالطون من حوادث الزمان ونوازل الحدثان بما يضطرهم إلى بيان أخلاقهم بإظهار سرائرهم في نفاقهم {في كل عام} أي وإن كان الناس أخصب ما يكونون وأرفعه عيشًا {مرة أو مرتين} فيفضحون بذلك، وذلك موجب للتوبة للعلم بأن من علم سرائرهم- التي هم مجتهدون في إخفائها- عالم بكل شيء قادر على كل مقدور، فهو جدير بأن تمتثل أوامره وتخشى زواجره.
ولما كان عدم توبتهم مع فتنتهم على هذا الوجه مستبعدًا، أشار إليه بأداة التراخي فقال: {ثم لا يتوبون} أي لا يجددون توبة {ولا هم} أي بضمائرهم {يذكرون} أي أدنى تذكر بما أشار إليه الإدغام، فلولا أنه حصلت لهم زيادة في الرجس لأوشك تكرار الفتنة أن يوهي رجسهم إلى أن يزيله ولكن كلما أوهى شيئًا خلقه مثله أو أكثر بسبب الزيادات المترتبة على وجود نجوم القرآن، والتذكر طلب الذكر للمعنى بالكفر فيه، فالآية ذامة لهم على عدم التوبة بإصابة المصائب لعدم تذكر أنه سبحانه ما أصابهم بها إلا بذنوبهم {ويعفو عن كثير} [الشورى: 34] كما أن أحدهم لا يعاقب فتاة إلا بذنب وما لم يتب فهو يوالي عقابه. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126)}
اعلم أن الله تعالى لما بين أن الذين في قلوبهم مرض يموتون وهم كافرون، وذلك يدل على عذاب الآخرة، بين أنهم لا يتخلصون في كل عام مرة أو مرتين عن عذاب الدنيا وفيه مسائل:

.المسألة الأولى: [في قراءة قوله: {أَولاَ تَرَوْنَ}]:

قرأ حمزة {أَولاَ تَرَوْنَ} بالتاء على الخطاب للمؤمنين، والباقون بالياء خبرًا عن المنافقين، فعلى قراءة المخاطبة، كان المعنى أن المؤمنين نبهوا على إعراض المنافقين عن النظر والتدبر، ومن قرأ على المغايبة، كان المعنى تقريع المنافقين بالإعراض عن الاعتبار بما يحدث في حقهم من الأمور الموجبة للاعتبار.

.المسألة الثانية: [الخطاب في قوله: {أَولاَ تَرَوْنَ}]:

قال الواحدي رحمه الله: قوله: {أَولاَ يَرَوْنَ} هذه ألف الاستفهام دخلت على واو العطف، فهو متصل بذكر المنافقين، وهو خطاب على سبيل التنبيه قال سيبويه عن الخليل في قوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السماء مَاء} المعنى: أنه أنزل الله من السماء ماء فكان كذا وكذا.

.المسألة الثالثة: [في تفسير الفتنة]:

ذكروا في هذه الفتنة وجوهًا: الأول: قال ابن عباس رضي الله عنهما يمتحنون بالمرض في كل عام مرة أو مرتين، ثم لا يتوبون من ذلك النفاق ولا يتعظون بذلك المرض، كما يتعظ بذلك المؤمن إذا مرض، فإنه عند ذلك يتذكر ذنوبه وموقفه بين يدي الله، فيزيده ذلك إيمانًا وخوفًا من الله، فيصير ذلك سببًا لاستحقاقه لمزيد الرحمة والرضوان من عند الله.
الثاني: قال مجاهد: {يُفْتَنُونَ} بالقحط والجوع.
الثالث: قال قتادة: يفتنون بالغزو والجهاد فإنه تعالى أمر بالغزو والجهاد فهم إن تخلفوا وقعوا في ألسنة الناس باللعن والخزي والذكر القبيح، وإن ذهبوا إلى الغزو مع كونهم كافرين كانوا قد عرضوا أنفسهم للقتل وأموالهم للنهب من غير فائدة.
الرابع: قال مقاتل: يفضحهم رسول الله بإظهار نفاقهم وكفرهم قيل: إنهم كانوا يجتمعون على ذكر الرسول بالطعن فكان جبريل عليه السلام ينزل عليه ويخبره بما قالوه فيه، فكان يذكر تلك الحادثة لهم ويوبخهم عليها، ويعظهم فما كانوا يتعظون، ولا ينزجرون. اهـ.

.قال السمرقندي:

{أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ}
قرأ حمزة: {أَوَلاَ تَرَوْنَ} بالتاء؛ ويكون الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقرأ الباقون بالياء، يعني: المنافقون ولا يعتبرون.
{أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ في كُلّ عَامٍ}، يقول يبتلون بإظهار ما في صدورهم من النفاق في كل عام.
{مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ} من نفاقهم وكفرهم في السر، {وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ}، يعني: لا يتعظون ولا يتفكرون.
قال الكلبي: كانوا ينقضون عهدهم في السنة مرة أو مرتين، فيعاقبون ثم يتوبون عن نقض العهد، وقال مقاتل: وذلك أنهم إذا خلوا، تكلموا بما لا يحل لهم.
فإذا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، أخبرهم بما تكلموا به، فيعرفون أنه نبي.
ثم يأتيهم الشيطان فيحدثهم أنه يخبرهم بما بلغه عنهم، فيشكون فيه، فذلك قوله: {يُفْتَنُونَ في كُلّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ}، يعني: يعرفون مرة أنه نبي وينكرون مرة أُخرى {ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ} عن ذلك {وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ} فيما أخبرهم، ويقال: {يُفْتَنُونَ} يعني: يبتلون بالأمراض والأسقام، ويعاهدون الله: لو زال عنا لفعلنا كذا وكذا، ثم لا يفون به ولا يتوبون من النفاق {وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ} أي لا يتعظون بما أنزل عليهم. اهـ.